متى يبدأ الطفل بالكلام بطلاقة؟

متى يتكلم الطفل بطلاقة؟

يُعتبر تعلم الطفل للغة والتحدث بها من أبرز المعالم التي يمر بها في مراحل نموه الأولى. يعد اكتساب الطفل للغة أداةً للتواصل مع الآخرين من أهم المهارات الحياتية التي تتطور تدريجياً عبر الزمن، وبالطبع تختلف هذه العملية من طفل لآخر بناءً على عوامل متعددة. تُعد مرحلة التحدث بطلاقة من المحطات المميزة التي يمر بها الطفل، حيث يُمكّن ذلك الطفل من التعبير عن نفسه بوضوح، والتفاعل مع الآخرين بشكل فعّال.

مراحل تطور اللغة عند الأطفال

قبل أن نتحدث عن متى يبدأ الطفل بالكلام بطلاقة، من الضروري أن نفهم المراحل التي يمر بها في تعلم اللغة. يبدأ الطفل في التفاعل مع العالم المحيط به من خلال الحواس، ويتطور استخدامه للغة تدريجياً عبر مراحل مختلفة.

1. مرحلة الصمت والتفاعل الصوتي (0-6 أشهر)
   
   في الأشهر الأولى من حياة الطفل، لا يكون لدى الطفل القدرة على إصدار كلمات أو محاكاة أصوات اللغة البشرية. لكن في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في استخدام الأصوات مثل البكاء والهمسات للتعبير عن احتياجاته. يمكن للطفل أن يميز الأصوات من حوله، ويبدأ في الاستجابة للأصوات المألوفة مثل صوت الأم أو الأب.

2. مرحلة المناغاة (6-12 شهرًا)
   
   مع اقتراب الطفل من نهاية السنة الأولى من عمره، تبدأ مرحلة المناغاة، حيث يبدأ الطفل في إصدار أصوات غير مفهومة، مثل “با-با”، “ما-ما”، “دا-دا”. وعلى الرغم من أن هذه الأصوات قد تبدو عشوائية، إلا أن الطفل في هذه المرحلة يكون قد بدأ في تعلم التحكم في حركات فمه وأحبال صوته.

3. مرحلة الكلمات الأولى (12-18 شهرًا)
   
   مع بداية السنة الثانية من عمره، يبدأ الطفل في قول كلماته الأولى بشكل مفهومة. تكون هذه الكلمات غالباً بسيطة مثل “ماما” أو “بابا”، وقد يستخدمها الطفل للإشارة إلى الأشياء أو الأشخاص الذين يعرفهم. في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في الربط بين الأصوات والمعاني.

4. مرحلة استخدام جمل بسيطة (18-24 شهرًا)
   
   في هذه المرحلة، يكوّن الطفل جملًا قصيرة بسيطة مكونة من كلمتين مثل “أريد ماء” أو “أين الكرة”. تبدأ اللغة تصبح أداة فعّالة للتواصل، حيث يبدأ الطفل في استخدام اللغة للتعبير عن رغباته واحتياجاته. كما يبدأ الطفل في اكتساب المزيد من المفردات.

5. مرحلة الجمل المركبة (2-3 سنوات)
   
   مع بلوغ الطفل الثانية من عمره، يكون قد اكتسب مجموعة واسعة من المفردات، ويبدأ في استخدام جمل أكثر تعقيدًا مثل “أنا أريد أن ألعب مع أصدقائي”. تصبح اللغة وسيلة أكثر تنوعًا للتعبير عن المشاعر والأفكار.

6. مرحلة التطور اللغوي المستمر (3-5 سنوات)
   
   بين الثالثة والخامسة من عمر الطفل، تتطور اللغة بشكل أسرع، ويبدأ الطفل في استخدام الجمل المعقدة، والتعبير عن مفاهيم أكثر تعقيدًا مثل الزمن والمكان. يُلاحظ أن الطفل في هذه المرحلة يكتسب قدرة أكبر على فهم معاني الكلمات المتعددة والاختلافات اللغوية مثل الجمع والمفرد.

7. مرحلة التحدث بطلاقة (5-7 سنوات)
   
   بعد عمر الخمس سنوات، يبدأ الطفل في التحدث بطلاقة أكثر، حيث يستطيع تكوين جمل طويلة ومعقدة، وفهم قواعد اللغة بشكل جيد. يبدأ في استخدام الأساليب اللغوية المختلفة مثل الأسئلة، والصفات، والأفعال في الزمن المناسب. على الرغم من أن النطق قد يظل غير دقيق في بعض الأحيان، فإن قدرة الطفل على التعبير عن نفسه تصبح واضحة تمامًا.

العوامل المؤثرة في تطور الطلاقة اللغوية

تختلف سرعة وطريقة اكتساب اللغة من طفل لآخر. هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر في تطور الطلاقة اللغوية لدى الأطفال، وتشمل هذه العوامل:

1. الوراثة والتطور البيولوجي
   
   قد يكون للعوامل الوراثية دور في تحديد قدرة الطفل على اكتساب اللغة. بعض الأطفال يولدون بقدرة أكبر على محاكاة الأصوات والكلمات بسرعة أكبر من غيرهم، بينما قد يحتاج آخرون إلى مزيد من الوقت.

2. البيئة المحيطة
   
   البيئة التي ينشأ فيها الطفل تلعب دورًا كبيرًا في تطوير اللغة. الأطفال الذين ينشؤون في بيئة غنية لغويًا، حيث يتحدث معهم الآباء والأمهات والمحيطون بهم كثيرًا، عادة ما يحققون تقدمًا أسرع في اكتساب اللغة. التفاعل مع الآخرين، مثل اللعب مع الأطفال الآخرين أو التحدث مع أفراد الأسرة، يعزز من قدرة الطفل على تعلم الكلمات والجمل.

3. الاحتياجات العاطفية والاجتماعية
   
   يعتبر التواصل العاطفي والاجتماعي جزءًا أساسيًا من عملية تعلم اللغة. الأطفال الذين يشعرون بالأمان العاطفي والاجتماعي يميلون إلى استخدام اللغة بشكل أكثر انفتاحًا وثقة. عندما يكون الطفل مرتاحًا ومطمئنًا في بيئته الاجتماعية، يكون أكثر استعدادًا للتعبير عن نفسه.

4. التعليم والتوجيه
   
   دور الوالدين والمربين في تشجيع الطفل على استخدام اللغة وتوفير الفرص له للتفاعل مع الآخرين يعدّ من العوامل المهمة في تحسين الطلاقة اللغوية. من خلال القراءة للأطفال أو لعب الألعاب التي تعتمد على اللغة، يمكن تعزيز تطور المفردات والقدرة على تركيب الجمل.

5. الاضطرابات أو المشاكل السمعية
   
   في بعض الحالات، قد يعاني الطفل من مشاكل سمعية أو اضطرابات في اللغة تؤثر على تطور نطقه وطلاوته. قد يتطلب الأمر تدخلاً متخصصًا من أطباء الأطفال أو أطباء النطق واللغة لمعالجة هذه القضايا.

علامات تأخر تطور اللغة

يجب أن يكون الأهل حذرين من أي تأخر قد يحدث في تطور لغة الطفل. هناك بعض العلامات التي قد تشير إلى وجود تأخر في تطور اللغة، مثل:

• عدم محاكاة الأصوات أو الكلمات في سن الـ 12 شهرًا.

• عدم استخدام كلمات بسيطة عند بلوغ الطفل السنة ونصف.

• عدم تكوين جمل قصيرة من كلمتين أو ثلاث كلمات بحلول سن الـ 2 إلى 3 سنوات.

• عدم القدرة على فهم أو تكوين جمل معقدة بحلول سن 4 إلى 5 سنوات.

إذا ظهرت هذه العلامات على الطفل، قد يكون من المفيد استشارة متخصص في النطق واللغة أو طبيب الأطفال لتقييم الوضع.

كيفية دعم الطفل في تعلم التحدث بطلاقة

يمكن للوالدين والمعلمين اتخاذ خطوات فعالة لدعم تطوير اللغة لدى الطفل وتشجيعه على التحدث بطلاقة. من هذه الخطوات:

1. التحدث مع الطفل بانتظام
   
   يجب على الوالدين أو المعلمين التحدث مع الطفل بشكل متكرر وتقديم جمل كاملة ومتنوعة. يجب أن يكون الحوار مع الطفل غنيًا بالتفاصيل بحيث يستفيد الطفل من كل فرصة لتعلم مفردات جديدة.

2. قراءة الكتب مع الطفل
   
   القراءة من أفضل الوسائل التي تعزز من تطور اللغة. يمكن اختيار الكتب التي تحتوي على نصوص بسيطة في البداية، ثم الانتقال إلى الكتب التي تقدم مفردات وجملًا أكثر تعقيدًا.

3. تشجيع الطفل على الحديث عن نفسه
   
   يمكن تحفيز الطفل على التحدث عن يومه أو ما يفعله، بحيث يصبح لديه فرصة لاستخدام اللغة في التعبير عن أفكاره ومشاعره.

4. الاستماع والتفاعل مع الطفل
   
   الاستماع الجيد من الأهل أو المربين يعزز من ثقة الطفل في قدرته على التعبير. يجب أن يشعر الطفل بأن ما يقوله مهمًا وموضع تقدير.

الخاتمة

تتطور قدرة الطفل على التحدث بطلاقة تدريجياً على مدار السنوات الأولى من حياته. يبدأ الطفل في استخدام الأصوات والكلمات البسيطة منذ الأشهر الأولى، ومع مرور الوقت، يكتسب المزيد من المفردات والقدرة على تكوين جمل معقدة. تدعم العوامل البيئية والوراثية والاجتماعية هذا التطور، لكن من المهم أن يتلقى الطفل التوجيه والدعم المناسبين من حوله. في النهاية، يتمكن الطفل من التحدث بطلاقة، مما يفتح أمامه أبواب التواصل مع العالم من حوله.